د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة أكاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام
في هذه الأيام المباركة تتوجس النفوس خوفا وطمعا، خوفا من ألا تنال رضا الله تعالى، وطمعا فيما عنده سبحانه من مغفرة وعفو وعافية، وفي هذه الأيام يستصغر المسلم نفسه أمام حشود تتزاحم وتتسابق صياما وقياما تسبيحا وعطاء، فذاك يتحرى الصلاة وفي كل وقت جازت، وذاك يمضي يومه وليله استغفارا وتسبيحا وتهليلا، أما ذاك فيسعى لبذل صدقته قبل أن يسعى إليه، في حين يرى آخر نفسه قابعاً في المؤخرة مهما تسابقت خطاه وانقطعت أنفاسه. وفي هذه الأيام ونحن نتحرى ليلة القدر ونرتجى من الكريم أن ننال فضلها وعفوه سبحانه وعافيته، تذكرت موقف قديم جمعني وزميلة لي، موقف تعلمت منه الكثير، فقد مر بي ابتلاء ومر بها ابتلاء أشد وأعظم، وكنت لا أنفك أواسيها لعلي أكون سببا في التخفيف عن بعض ما ألم بها، وفي الوقت نفسه كنا نلجأ بالدعاء لعل الكريم يفرج عنا همنا، وما أريد أن أكشف عنه ها هنا أني كنت أظن نفسي أقرب إلى الله وأحب، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، ولكن ما حدث أوقفني على عكس ذلك فسرعان ما استجاب الله سبحانه لدعائها فرفع بعظيم فضله ما ألم بها جملة وتفصيلاً، أما أنا فبقي أمري على ما هو عليه بل واشتد، عندها استفسرت منها عن علاقتها بربها وعما تقول في دعائها لله تعالى، وهنا أدركت مدى تقصيري وقلة حيلتي، فقد كانت حفظها الله تلتزم بالاستغفار والإلحاح فيه، إذ كان معظم دعائها استغفاراً.. يتلوه استغفار.. يتبعه استغفار، في حين كان لسان حالي يرتكز على التسبيح والتهليل، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول ألا أنسى الاستغفار وألا أنشغل عنه، غفر الله لنا ولكم ووهب لنا العفو والعافية. ومنذ أيام وصلني كتاب "مع الله" للشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة، كتاب في جملته أكثر من رائع، كتاب يضع بصماته على النفس الراكدة فيحركها وينعش عروقها اليابسة، كتاب يحدث روحك التي تاهت ويمهد لها طريق الرجوع إلى الله الرحمن الرحيم، كتاب أجزم أن معظم من قرأه من المسلمين استشعر عظمة الله وروعة الإيمان به سبحانه، وتحت عنوان "الله العفو"، ذكر الشيخ سلمان أن أحدهم سأل ابن الجوزي رحمه الله: أسبح أم استغفر؟ فقال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور) ثم علق بقوله حفظه الله: (وهكذا العبد المسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، هو أحوج ما يكون إلى كثرة الاستغفار!!) كما قال جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله، فشكا إليه فقره،فأمره بالاستغفار، وجاء آخر فشكا إليه عدم الولد، فأمره بالاستغفار، وجاء ثالث فشكا له قلة الأمطار، فأمره بالاستغفار، واحتج على أن الاستغفار سبب من الأسباب الشرعية في تحصيل ما يريده الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، بقوله تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا(، كما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) وعن معنى الاستغفار قال الدكتور إنه مشتق من لفظ غفر بمعنى الستر، ومن قولهم، غفر له أي ستره وغطاه، أي ستر الله سبحانه بعظيم فضله ذنوب عبده. إلا أننا وفي هذه الأيام المباركة حري بنا أن نسأل الله العفو والعافية، تطبيقا لسنة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن وفقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) كما قال عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه: (سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة)، وجدير بالإشارة هنا التوقف عند معنى العفو فمعناه كما بين العلماء التجاوز، وأصله عفت الريح الأثر طمسته ومحته، أي أن الله يطمس ذنوبنا ويمحو أثرها وكأنها لم تكن، أما العافية فمعناها كما ذكروا السلامة في الدين والبدن والأهل والمال من جميع الابتلاءات، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا وعن المسلمين كافة وهب من لدنك العافية في الدين والدنيا. وآمل هنا أن يسع حلم القائمين على إعداد مناهج التعليم في بلادنا الخيرة، فقد عزمت أمري على نقل رأي شابة سعودية غيورة، رأي أعتقد أنه جدير بالاهتمام، لقد لامت هذه الشابة مناهج التعليم قائلة: (لقد أمضيت في مراحل التعليم النظامي الثلاث الابتدائي والمتوسط والثانوي ومناهج التوحيد لا تلتفت عند تعريفها بأسماء الله وصفاته العلى، على معاني وخصائص هذه الأسماء وتلك الصفات، والأسلوب الأمثل للتعبد بكل منها، وكان الأجدى بهذه المناهج المتميزة - بحمد الله سبحانه - عن غيرها بطبيعة الحال، الاهتمام بهذا الجانب، إذ أن ذلك من شأنه توثيق علاقة العبد بربه) وقد أكد كلامها الدكتور سلمان العودة في كتابه (مع الله) إذ قال: (علينا كمسلمين أن ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى باعتدال وفقه.. وعلينا استحضار معاني تلك الأسماء.. فخير دواء للقلوب استحضار عظمة علام الغيوب، والتدرج بالنفس في مراقي معرفته والإيمان به سبحانه، حتى تصل إلى درجة: "أن تعبد الله كأنك تراه" فهذا يزيد المرء إقبالا على الطاعة وحفاوة ونشاطاً.. كما أن استشعار معاني هذه الأسماء يزيد المؤمن إعراضاً عن المعصية وزهداً فيها، وإسراعاً في الإقلاع عنها، وقوة في التوبة..، لما يحس به من وحشة القلب والبعد عن الرب..)، آمل أن يجد هذا المقترح الاهتمام اللائق به، فمن الأهمية بمكان استحضار أبنائنا وبناتنا وفي مراحل مبكرة لمعاني وخصائص أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.. في كل شأن من شؤون حياتهم كبيرها وصغيرها. وبالله التوفيق.