وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ – سورة المؤمنون، الاعجاز العلمي في تفسير القرآن الكريم
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ – الإعجاز العلمي في تفسير القرآن الكريم – سورة المؤمنون 18
سوبر نوفا سيجنوس، من اكبر مناطق تكون النجوم في مجرّتنا، موقع وكالة الفضاء الأمريكية 12-5-2012 NASA
ما زال العلم الحديث في حيرةٍ من حيث مصدر الماء الموجود على كوكب الأرض، فالنظريات الحديثة تُجمع على أن كوكب الأرض والمجموعة الشمسية تكوّنت بسبب تراكم الدخان الناتج عن انفجار نجم عملاق في حدث يسمى بـ السوبر نوفا، وبتأثير قوة الجاذبية، بدأت جزيئات العناصر بالتراكم على بعضها البعض وبعد ملايين أو بلايين السنين، تكوّنت المجموعة الشمسية ومنها كوكب الأرض.
النظرية السائدة في الوقت الحالي عن مصدر الماء مبنية على أن الماء كان ملتصق على الصخور وتراكم بفعل الجاذبية، وبعد أن برد سطح الكرة الأرضية، تكثف بخار الماء وسقط على شكل مطر مما شكّل المحيطات وقد كانت هناك كتلة صخريّة واحدة فوق المحيطات اسمها بانجيا والتي حدث بها انشقاقات وتصدعات أدت الى تكوّن القارّات الحالية.
أما النظرية الثانية فانها مبنية على أن الماء تكوّن قبل أن يتكوّن النظام الشمسي، وفي مرحلة التكثّف والتراكم لم يكن للكرة الأرضية أن تحتفظ بالماء بسبب الارتطامات العنيفة حيث أن حرارة سطح الأرض كانت تصل الى عدة آلاف درجة مئوية مما يعني أن الماء كان بحالة غازية (بخار) بالاضافة الى أن الكرة الأرضية كانت تفتقر الى الغلاف الجوي في مراحل بداية تكوينها والحال نفسه لباقي الكواكب حتى مدار المريخ. وبعد أن تكوّنت الأرض، تعرّضت لـ “قصف” بالمذنبات والتي تحتوي على كمية كبيرة من الماء مما كوّن المحيطات.
أما بديع السموات والأرض فقال في سورة المؤمنون آية 18: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } وهذا يعني أن الماء لم يتواجد في البداية على الكرة الأرضية، ولكنّ الله تعالى أنزل الماء من السماء بِقَدَر وأسكنه في الأرض، وقد ورد سياق شبيه في سورة البقرة 164 { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } حيث يبين لنا تعالى بهذه الآية الكريمة بأن الأرض كانت ميتة فأحياها بالماء “وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ” كما ووضّح لنا تعالى بما لا يقبله الشك، الفرق بين “أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ” و “َٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ” حيث أن السحاب ليس بالسماء ولكن بين السماء والأرض.
يبدو أن النظرية الثانية والتي تقول بأن الماء تكون قبل تكون الشمس والكواكب هي أقرب الى ما فصّله لنا تعالى في سورة هود آية 7 { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ …} حيث ورد تفسيرها “وقوله: { وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ } يقول: وكان عرشه علـى الـماء قبل أن يخـلق السموات والأرض وما فـيهن“.
كيف تقسمت “بانجيا” كما يعتقد العلماء
وبعد أن تكوّنت الأرض وأنزل الله عليها الماء، بيَّن لنا الحديث النبوي الشريف والذي صُنِّف كـ غريب وذلك لغرابة موضوعه بأن الكرة الأرضية كانت مغمورة بالكامل بالماء ثم بزغت قطعة صخرية حيث توجد الكعبة الآن: روي عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله: كانت الكعبة خشعة علي الماء فدحيت منها الأرض, والحديث ذكره الهروي في غريب الحديث (3/362) كما ورد حديث مشابه أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ موقوفا عليه: أنه ـ أي البيت الحرام ـ كان أول ما ظهر علي وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زَبدة ـ بفتح الزاي, أي كتلة من الزَبد ـ بيضاء فدحيت الأرض من تحته. وتعريف الدحي: دَحَا الأَرضَ أَوْسَعَها؛ وأَنشد ابن بري لزيد بن عمرو بن نُفَيْل: دَحَاها، فلما رآها اسْتَوَتْ على الماء، أَرْسَى عليها الجِبال ودَحَيْتُ الشيءَ أَدْحاهُ دَحْياً: بَسَطْته. أي ان مكة كانت النقطة التي توسعت منها الرقعة الأرضية والتي سماها العلماء بـ بانجيا أو القارّة الأم والتي تشققت وانقسمت الى القارات التي نعرفها اليوم كما هو ممثل في الصورة. فالعلماء حالياً لا يرون بأن الأرض كانت مغمورة بالكامل بالماء، وانما كانت هناك كتلة واحدة منذ البداية فوق الماء تفرّقت فيما بعد الى القارات التي نعرفها في الوقت الحالي.
قد تبدو نظرية “قصف” الكرة الأرضية بالمذنبات تتعارض مع مقالتنا السابقة “وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا“، وهو ما يبدو من الوهلة الأولى، اذ أن جاذبية الكواكب العملاقة مثل المشتري وزحل ستقوم بالدور المطلوب منها وهو تقليل احتمالية الإصطدامات وحفظ الكرة الأرضية، ولكن آية 41 من سورة فصلت تبين لنا بأن الكواكب ولربما العملاقة بشكل خاص تشكلت بعد تشكّل الكرة الأرضية { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } حيث تدل الآية على أن تزيين السماء الدنيا يالمصابيح (الكواكب) تم بعد الانتهاء من خلق السموات (السبع) والأرض وهذا ما قدّره ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ.
يبدو أن صديقنا القمر قد تلقى بعض الضربات كما هو مبين في الصورة التالية، حيث تبدو مناطق على القمر ملساء وكأنه قد تم محوها أو تم غمرها بكمية كبيرة من الماء وأصبحت كالقاع، بالاضافة الى أن هذه المناطق الملساء لم تتعرّض لاصطدامات جديدة مما يعني انها حدثت بعد فترة التكون والاصطدامات العنيفة.
صورة للقمر تبيّن مناطق ملساء خالية من الاصطدامات الجديدة ملاحظة: الجسم الغريب باللون الأزرق هو محطة الفضاء الدولية والتي صادف مرورها في غلاف الأرض عند التقاط الصورة Copyright: Eric J. Zbinden
صورة للوجه البعيد من القمر التقطتها مركبة ابولو 16
هل رأيت الوجه الآخر للقمر؟ الوجه الذي لا نراه باعيننا لأن القمر ثابت الوجه، هذا هو الوجه الآخر (البعيد) من القمر، تخيل لو أننا نرى هذا الوجه من القمر كل يوم، وجه كئيب لا علاقة له بالجمال، لعل وجه القمر الثابت نحو الكرة الأرضية تُرك لنا عن قصد ليس لأنه أجمل فقط، ولكن كـآية عن كيفية انزال الماء على الأرض، لم يستطع القمر الحفاظ على الماء بسبب ضعف جاذبيته وعدم وجود غلاف جوي والحرارة المرتفعة جداً حيث تصل الى 123 درجة مئوية في النهار و -233 في الليل. كما لم يستطع كوكب المريخ الحفاظ على معظم الماء لذات الاسباب، أما ما تبقى فهو في حالة جليدية أو تحت السطح. وهنا تأتي خاتمة الآية “وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ” حيث أن أي خلل في الميزان { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } – الرحمن 7، سيؤدي الى عدم بقاء الماء بشكله السائل، وعندما تقوم الساعة، فلن يبقى منه شيء وستصبح الأرض صعيداً جرزاً { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } – سورة الكهف
هناك عدة قرائن عن الماء في القرآن الكريم، فقد 1- إقتُرن الغيث بالخير، بينما 2- اقتُرن المطر بالعذاب، 3- أما إنزال الماء من السماء فاقتُرن باحياء الأرض، ولكن ماذا عن المُعصرات؟ وما هي المعصرات؟ { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * {لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} *
اختلفت كتب التفسير في معنى المُعصرات، وليس هناك اجماع فالمعنى اللغوي المتفق عليه في كتب التفسير أن المعصرات هي الرياح، ولكن كيف للرياح أن تَصُبّ الماء، حيث أن الرياح هي العامل المُسبب للسحاب { الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً… } وقال آخرون في كتب التفسير: بل هي السماء. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول: { وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ } قال: من السماء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ } قال: من السموات. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: { وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ } قال: من السماء. ّ
القمر الثلجي هيلين والذي يدور حول كوكب زحل، يبلغ قطره 40 كيلومتر
والثَّجُّ: الصَّبُّ الكثيرُ، وخص بعضهم به صَبَّ الماء الكثير؛ أما الغاية من المعصرات في الآية فهي إخراج الحب والنبات؛ أي احياء الأرض! مما يضع المعصرات ضمن القرينة الثالثة وهي انزال الماء من السماء. منطق؟
فماذا سيحدث لو دخلت كتلة ثلجية قطرها 40 كيلو متر بحجم هذا القمر ”هيلين” الثلجي والذي قد تبلغ حرارته أقل من 200- درجة مئوية ويدور حول كوكب زحل حيث أن معظم أقمار الكواكب الغازية مكونة من الثلج، ماذا سيحدث على سبيل المثال حال دخوله في الغلاف الجوي للأرض، هل سيرتطم يسطح الأرض أم أن الثلج على سطح هذه الكتلة سيتحول الى ماء حال وصول حرارة سطحه الى ما فوق الصفر المئوي وينزل في البداية كأنه رذاذ أو ماء ثم يُصب صبا خصوصاً عند اقترابه من الغلاف الجوي الكثيفً وقد يتفجر ما تبقى منه في النهاية بسبب التبخر السريع للماء عند وصوله الى الطبقات السفلى من الغلاف الجوي.
صورة من المركبة الفضائية Polar عام 1997 لمذنّب بحجم البيت وهو يدخل الغلاف الجوي للأرض
الصورة التالية (فوق البنفسجية) لمذنب صغير غني بالماء يُقدّر حجمه بحجم بيت بغرفتي نوم لحظة دخوله الى الغلاف الجوي للأرض، التقطت الصورة من المركبة الفضائية Polar عام 1997 وكان المذنب على ارتفاع 8,000 كيلو متر وقد انتهى به الأمر بعد 54 ثانية على شكل سحابة كثيفة في أعلى الغلاف الجوي. هذه الصورة تَعني ان مبدأ نزول الماء حتى في أيامنا هذه وارد ومثبت علمياً بالصور، هذا ويعتقد أن الحدث الذي حصل في تونجوسكا عام 1908 نتج عن مذنب غني بالماء ذاب وأنفجر قبل أن يصل الى سطح الأرض، حيث بقيت الليالى مضيئة ولعدة أيام في أوروبا وخصوصاً مدينة لندن بسبب اشباع طبقات الجو العليا “الميزوسفير” بجزيئات الماء.
تطرّقنا لعدة مواضيع عن الاعجاز العلمي في تفسير القرآن الكريم وهي:
أن الأرض كانت ميتة لا ماء عليها {… وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فأنزل الله عليها الماء من السماء فأحياها { …وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} - سورة الأنبياء 30 كمية الماء التي انزلت كانت “بقدر” والتي تتماشى مع سورة فصلت 10 { … وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }، لتعرف الكمية، انقر هنا وهذا اعجاز علمي بحد ذاتة في القرآن الكريم أن الكرة الأرضية كانت مغمورة يالماء بالكامل وكانت المنطقة التي بها الكعبة أول ما ظهر من تحت الماء { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ …} وهذا ما يجعل الكعبة ذات موقع خاص. نظرية غمر الكرة الأرضية بالكامل غير مذكورة بالعلم الحديت، وهذا اعجاز علمي سيتوصل اليه العلم الحديث يوماً ما. أن عرش الرحمن كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض. وهذا ما تنص علية النظريات الحديثة بأن الماء تكوّن قبل تكوّن السموات والأرض وهذا اعجاز علمي في القرآن الكريم. من المنطق أن يكون الوجه القريب للأرض أكثر عرضة للمذنبات لأن جاذبية الأرض والقمر تكون مجتمعة حيث أن مدارات المذنبات شبه عامودية على مدارات الكواكب أي انها تأتي من الأعلى أو الأسفل.