]البشرى العشرون بشرى فضل الإصلاح والتأليف بين الإخوان مع مدارة الخلق
وهى من عيون البشريات التى لا يتنبه إليها الكثيرون من المسلمين إذ قال الحبيب المصطفى ليشجع المسلمين على حلِّ خلافاتهم ورأب صدع علاقاتهم{ليسَ بالكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بينَ الناسِ فقالَ خيراً أَوْ نَمَى خيراً}[1]{رَأسُ العَقْلِ بَعْدَ الإِيمانِ بالله مُدارَاةُ النَّاسِ وأهْلُ المَعْرُوف في الدَّنْيا أهْلُ المَعْرُوفِ في الآخِرَةِ}[2]000]فلكى ندخل للبشرى فلابد أن نفهم أنه من أول أسس السلوك لملك الملوك أن يحرص السالك فى جهاده لنفسه على أن يكون دائماً بلسماً شافياً لجراح إخوانه فيشفى الصدور من الأحقاد وينزع من النفوس الغلَّ لا يرتاح إذا وجد متخاصمين إلا إذا أصلحهما لا يسكن ليله أو نهاره إذا وجد خلافاً بين أخين إلا إذا ألَّف بينهما لماذا؟لأن رسالة المحبين التأليف بين قلوب المحبين وهذا يحتاج لكثير من العقل والحديث والمداراة والتفاهم والحرص على التأليف والتحبيب ونزع فتيل الأزمة باللسان والعقل الجميل واسمعوا لقوله تعالى فى كتابه الكريم{إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}[ R]وظيفة من هذه؟وظيفة رسول الله وورثته وأحبابه والماشين على نهجه والوظيفة المخالفة وظيفة من؟إبليس فهو يسعى للتلبيس بين الإخوان وللإيقاع بينهم وإلى إيجاد الشحناء فى نفوسهم وإيجاد البغضاء فى صدورهم فوظيفتنا التأليف بين قلوب المؤمنين والحرص على المودة بين السالكين فبشرانا هنا أنك تتوظف فى وظيفة الرسل والأنبياء و تتشبه بسيد الخلق من مدحه مولاه بأنه النعمة التى جعلهم الله تعالى بفضلها إخوانا فيجب على كل مسلم أن يستفيد من تلك البشرى كيف؟يعقل الحديث إذا لزم نقله فيخرج منه الهنات التى تؤدى إلى التشاحن والبغضاء وزيادة الفرقة بين الخلان والإشقاء ويضع النية ويعزم الطوية على التقريب بين إخوانه وحسن نقل الأخبار من بينهم لتزول العكارات من علاقاتهم وتصفو نفوسهم وليهنأ فاعل هذا بأن رسول الله ينفى عنه صفة الكذاب ويلحقه بأهل الصدق والأحباب ويصير فاعلاً لوظيفة من وظائف النبى الواردة فى صريح الكتاب فهذه من أعظم البضاعات التى نتقرب بها إلى الله وتحتاج إلى جهاد عظيم فى أطوار السالكين كيف ذلك؟ لأن النفس دائماً تحاول أن تُخرج المرء من طور السلوك بتزيين الغيبة والنميمة والإيقاع بين المؤمنين وتتبع عورات إخوانه المؤمنين والعلماء فكل من رأيته يتتبع سقطات إخوانه فاعلم أنه ساقطٌ من عين الله وكلما تذكر له أخاً تجده يسارع فيذكر مساوءه وعيوبه وكما يقول الحكيم :
وستراً لعورات الأحبة كلهم ...... وعفواً عن الزلات فالعفو أرفق
وكل الأحباب و الإخوان فى رعايتهم لأنفسهم ولبعضهم وحرصهم على كل واحد فكلهم أشبه الناس بالسلف الصالح وأساس تعاملاتهم مع بعضهم هى قول النبى{الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمِّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعَفِهِمْ وَمُسْرِعُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ}[3] هل رأيتم إذاً كيف يصبح المسلمون وحدة واحدة متكافئة متكاتفة متفاعلة ومتحققة بذلك فمن يقدر علينا من أعدائنا إذا كنا كذلك؟قال القائل الحكيم فى مقام المصلحين بين الخلان وسبيل التوفيق بين الإخوان:
خيرُ الأَنَامِ سادتهم وفاضِلُهم المصلحون ولا تَستَثْني لى أَحَداً مِنْ أَصْلَحَ الحالَ منهم بعدمَا فَسَدتْ هوت عروش قومٍ إذ حالهم فَسَدا من أيقظوا العقل فيهم بَعْد رَقْدَتِه وأحيوا شعار الحب بعدما كسدا وردَوا عنهم شياطِيناً وقد مَردَت تقطِّع حبال الود وتمنع الرشدا فمشى بلسان الصلح حسَّنه وألبسه ثوب المدارة ما كذب من اجتهدا وألقى بذور الود فيهم وأرواها حلو اللسان فشوك القوم منحصدا
وقال الرجل الآخر فى وصف الفرقة وأثرها واسلوب جمع الشمل:
مزقتم شمل هذا الجمع بينكم كل لـه عصبة أهل وخلان وكلكم قد رقى في نسج حجته مراقياً ما رقاها قبل خوان فما الإِمام ملام في رعيته بل الجميع سواء فيه أعوان فقدموا العدل والإِنصاف في ظُلًم قد طال منكم لـها قهر وعدوان ثم أصلحوا بعد هذا ذات بينكم تفلحوا وانصحوا من خين أو خانوا تصبحوا قوةً بعد أعواد مفرقة أيدي سبا ما لـها وزن وأبدان إذا اجتمعتم لإصلاح شأنكم فلا جنٌ عليكم يقوى لا حىٌ وإنسان واجمعوا شريداً فإن يرجع فذلكم وداروا أولى عجز الفهم ما بانوا فهيا بنا أُخيَّة للإصلاح قد راحت الفرقة بما صنعوا وما زانوا
[1] أخرجه مسلم في الصحيح من حديثِ ابنِ عُلَيَّةَ عن مَعْمَرٍ، سنن الكبرى للبيهقي [2] (ابن أبي الدنيا في قضاءِ الحوائج) عن ابن المسيب مرسلاً الفتح الكبير ومجمع المسانيد والمراسيل. [3] سنن أبى داوود عن عمرو بن شعيب.
منقول من كتاب ( بشائر الفضل الالهى ) للاستاذ الشيخ فوزى محمد ابو زيد رئيس الجمعية العامة للدعوة الى الله بجمهورية مصر العربية .