موضوع: من هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 13/6/2013, 02:28
صحابي جليل من أعلام الصحابة (رضي الله عنهم) ومن قراء القرآن الماهرين، ولحب الرسول (صلى الله عليه وسلم) قراءته قال يوصي اصحابه : ( من سره ان يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)... كيف بدأت قصة هذا الصحابي مع الاسلام والايمان..؟
كان عبدالله بن مسعود او (ابن ام عبد) كما ينادونه الناس صغير السن، وقد دأب على ان يخرج بغنم لأحد الرجال من قومه منذ البكور ثم لا يعود الا اذا اقبل الليل.
ابن مسعود.. والرجل المبارك
وفي ذات يوم ابصر الغلام المكي عبدالله بن مسعود رجلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد، وقد اصابهما التعب الشديد، واشتد عليهما العطش حتى جفت منهما الشفاه والحلوق. فلما وقفا عليه، سلما وقالا: يا غلام، احلب لنا من هذه الشياه ما نطفئ به ظمأنا، ونبل عروقنا. فقال الغلام: لا افعل فالغنم ليست ليّ، وانا عليها مؤتمن... فلم ينكر الرجلان قوله، وبدا على وجهيهما الرضا عنه. ثم قال له احدهما: دلني على شاة لم ينز عليها فحل، فاشار الغلام الى شاة صغيرة قريبة منه، فتقدم منها الرجل واعتقلها، واخذ يمسح على ثديها بيده وهو يذكر عليها اسم الله، فنظر اليه الغلام في دهشة وقال في نفسه: ومتى كانت الشياه التي لم تنزُ عليها الفحول تدر لبناً؟! لكن ثدي الشاة ما لبث ان انتفخ، واخذ اللبن يخرج منه كثيراً وفيراً. فاخذ الرجل الاخر حجراً مجوفاً من الارض، وملأه باللبن، وشرب منه هو صاحبه، ثم سقيا الغلام معهما، وهو لا يكاد يصدق ما رأى... فلما ارتويا، قال الرجل المبارك لثدي الشاة: انقبض. فما زال ينقبض حتى عاد الى ما كان عليه. عند ذلك قال الغلام للرجل المبارك: علمني من هذا القول الذي قلته. فقال له: انك غلام معلم. كانت هذه هي بداية قصة عبدالله بن مسعود مع الاسلام...
اذ لم يكن الرجل المبارك الا رسول الله (صلوات الله عليه)، ولم يكن صاحبه الا الصديق رضي الله عنه، فقد خرجا في ذلك اليوم الى شعاب مكة، لشدة ما آذتهما قريش ولشدة ما انزلت بهما من البلاء. لم يمض غير قليل حتى اسلم عبدالله من مسعود وعرض نفسه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليخدمه، فوضعه الرسول (صلوات الله عليه) في خدمته.
ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبدالله بن مسعود من رعاية الغنم الى خدمة سيد الخلق والأمم. لزم عبدالله بن مسعود رسول الله (صلوات الله عليه) ملازمة الظل لصاحبه، فكان يرافقه في حله وترحاله، ويصاحبه داخل البيت وخارجه، حتى دعي بصاحب سر رسول الله. فاهتدى بهدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتخلق باخلاقه واتصف بصفاته، حتى قيل عنه: انه اقرب الناس الى رسول الله (صلى الله عيله وسلم) هدياً وسمتاً.
ابن مسعود... العالم
وتعلم ابن مسعود في مدرسة الرسول (صلوات الله عليه) فكان من اقرأ الصحابة للقرآن، وافقهم لمعانيه، واعلمهم بشرع الله. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسمرُ ذات ليلة عند ابي بكر، ويتفاوضان في أمر المسلمين، وكنت معهما، ثم خرج رسول الله وخرجنا معه، فاذا رجل قائم يصلي بالمسجد نتبينه فوقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستمع اليه، ثم التفت الينا وقال من سره ان يقرأ القرآن رطباً كما انزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد...) ثم جلس عبدالله بن مسعود يدعو فجعل الرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول له سل تعطه.. سل تعطه)
ولقد بلغ من علم عبدالله بن مسعود بكتاب الله انه كان يقول: والله الذي لا اله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله الا وانا اعلم اين نزلت واعلم فيم نزلت، ولو اعلم ان احداً اعلم مني بكتاب الله تناله المطيُ لأتيته. الفاروق يسأل... وعبدالله بن مسعود يجيب لم يكن عبدالله مبالغاً فيما قاله عن نفسه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلقى قافلة في سفر من اسفاره، والليل مخيم يحجب الركب بظلامه، وكان في الركب عبدالله بن مسعود، فامر عمر رجلاً ان يناديهم: من اين القوم؟ فاجابه عبدالله: من الفج العميق. فقال عمر: اين تريدون؟ فقال عبدالله: البيت العتيق. فقال عمر: ان فيهم عالماً... وامر رجلاً فناداهم: اي القرآن اعظم؟ فاجابه عبدالله: { الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تاخذه سنة ولا نوم...} قال: نادأهم اي القرآن أحكم؟ فقال عبدالله { ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى....}. فقال عمر: نادهم اي القرآن أجمع؟ فقال عبدالله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }. فقال عمر: نادهم اي القرآن أخوف؟ فقال عبدالله :{ ليس بأما************م ولا اماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً }. فقال عمر: نادهم اي القرآن أرجى؟ فقال عبدالله : { قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم}. فقال عمر: نادهم أفيكم عبد الله بن مسعود؟! قالوا: اللهم نعم.
المجاهر بالقرآن
ولم يكن عبدالله بن مسعود قارئاً عالماً عابداً فقط وانما كان -مع ذلك- قوياً حازماً مجاهداً مِقداماً اذا جد الجد. فيكفيه انه اول مسلم على ظهر الارض جهر بالقرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فقد اجتمع يوماً اصحاب رسول الله في مكة، - وكانوا قلة مستضعفين- فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم اياه؟! فقال عبدالله بن مسعود: انا أسمعهم اياه. فقالوا: انا نخشاهم عليك، انما نريد رجلا له عشيرة، تحميه وتمنعه منهم اذا اراده بشر، فقال: دعوني فان الله سيمنعني ويحميني...
ثم غدا الى المسجد حتى اتى مقام ابراهيم في الضحى، وقريش جلوس حول الكعبة، فوقف عند المقام وقرأ :بسم الله الرحمن الرحيم- رافعاً صوته- { الرحمن* علم القرآن* خلق الانسان*علمه البيان...}. ومضى يقرؤها، فتأملته قريش وقالت: ماذا قال ابن أم عبد؟! تبا له... انه يتلو بعض ما جاء به محمد... وقاموا اليه واخذوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ماشاء الله ان يبلغ، ثم ذهب الى اصحابه والدم يسيل منه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك. فقال : والله ما كان اعداء الله اهون في عيني منهم الآن، وان شئتم لاغادينهم بمثلها غداً قالوا. لا، حسبك، لقد اسمعتهم ما يكرهون.
وفاة الزاهد عبدالله بن مسعود
عاش عبدالله بن مسعود الى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه، فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان عائداً، قال له: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال:فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: الا آمر لك بعطائك الذي امتنعت عن اخذه منذ سنين؟! قال: لا حاجة لي به. قال: يكون لبناتك من بعدك. قال: اتخشى على بناتي الفقر؟ اني امرتهن ان يقرأن سورة الواقعة... واني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة ابداً). ولما أقبل الليل لحق عبدالله بن مسعود بالرفيق الاعلى ولسانه رطب بذكر الله، ندي بآياته البينات.
رضي الله تعالى عن عبدالله بن مسعود، فقد كان من العلماء العاملين والمؤمنين الصادقين.