أما هذه البشرى فهى سرُّ من أسرار السلامة وتجنب الغى والعى والندامة ولذا بشَّر رسول الله سيدنا معاذ بالسلامة والنجاة فقال له ولنا ولمن يريدون النجاة والسعادة والسلامة إلى يوم القيامة{إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِماً مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ}[1]ولذا نصحهم بوضوح لا يقبل الشك فقال[color:2192=Dark{Red]{أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ}[2]أهذا صعبٌ أو ليس ممكناً قال الحكماء (فعلٌ وليس بفعل به النجاة بالفعل علِّق باللسان ثقل أو ضع على الفم قفل} أفيعزُّ على أحدكم أن يس لم وينجو بغلق فمه فوالله لو عقل هذا أحد لصمت إلى الأبد فنجا ولم يكن مثله أحد إلا من فعل مثله أو زاد وما الزيادة إلا النطق عند الحاجة بقدر أما الفائدة الثانية فى بشرى الصمت أن الصمت سرٌّ من أسرار الوصول أوصى به الله وشدَّد عليه الرسول ونصح به كل عبد بالله موصول ولذا كانت المجالس العملية التى يرتفع بها أهل المعية إلى الدرجات العلية يقول فيها سيدنا أبو الدرداء{تعلموا الصمت كما تتعلمون الكلام فإن الصمت حكم عظيم وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم ولا تتكلم في شيء لا يعنيك}[3] فكانوا يدخلون ورشة عملية يعلمهم فيها رسول الله الصمت كما نتعلم نحن ونعلم أولادنا الصغار الكلام ولذا كان ابن مسعود يقول فى الورشة العملية{إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان}[4]
وكانوا يستخدمون النماذج التعليمية فكان سيدنا أبو بكر يضع حجراً تحت لسانه فلا يتكلم إلا فيما يرضى الله فيسألونه ما هذا؟ فيقول وهو يشير إلى لسانه{هذا الذي أوردني الموارد}[5]{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}فكانت الورشة الأولى فى العبادة العملية التى كان يُشرف عليها خير البرية هى تَعَلُم الصمت ومن يدخل هذه الورشة يأخذ ما فيها من بضاعة بعد أن يُحَصِّل وفى النهاية يعطيه الله جزاء هذه الطاعة مع شهادة التخرج{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}وشهادة التخرج مكتوب فيها " حكيم" قال النبى{إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْداً فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإنَّهُ يُلَقَّنُ الْحِكْمَةَ}[6
]وقال الشاعر أبو نواس فى شىء من شعر الحكمة :
خلّ جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام ربما استفتحت بالنطــق مغاليق الحمام إنما السالم من ألــجم فاه بلجام وقال حكيم لأبنائه معلماً ومربيَّاً{يا أبنائى صمتٌ قد يعقبه ندامة خيرٌ من نطق يسلب السلامة }ثم أنشدهم قائلاَ:
الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً ما إن ندمت على سكوتي مرّة ولقد ندمت على الكلام مرارا
وقالوا{لسانك سبْعٌ إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك}وقيل{اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك وانفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهمٍ في غير بابها أيسر من إطلاق كلمة في غير حقها} وقال الشاعر فى بيان خطر اللسان: احفظ لسانك واحتفظ من شرّه إنّ اللسان هو العدوّ الكاشح وزن الكلام إذا نطقت بمجلس فيه يلوح لك الصواب اللائح والصمت من سعد السعود بمطلع تحيا به والنطق سعد الذابح وقال بعض الحكماء عليك بالصمت وإن أصبت في القول وبرزت في الفضل:
رب كلمة قلت جلبت المقدوراً خربت لك دوراً عمرت قبوراً فاحفظ لسانك أن تنال ثبورا إن المناطق تجلب المحذورا وللإمام الشافعى قول رائع فى ذلك اشتهر وذاع وروى لآخرين: احفظ لسانك أيها الانسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان[/size] منقول من كتاب (بشائر الفضل الالهى) للاستاذ الشيخ فوزى محمد ابوزيد .
[1 صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة. [2] سير أعلام النبلاء [3] عن معاذٍ للطبراني في الكبير وللبيهقي في شعب الإيمان جامع المسانيد والمراسيل [4] رواه أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر. [5] مكارم الأخلاق الخرائطي) [6] لأبي نعيم في الحلية وللبيهقي في شعب الإيمان عن أبـي هريرة فى جامع الأحاديث والمراسيل