موضوع: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" 10/12/2011, 12:20
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة اكاديمية سعودية في جامعة الدمام
الموقف الشجاع من "فرمان علي خان" في سيول جدة، لم يكن فريدا من نوعه، فقد ذكر أخ له أنه - رحمه الله - كان معروفا منذ شبابه المبكر بإقدامه وبشجاعتة وببذله لنفسه في سبيل إنقاذ الآخرين .
قضت إرادة الله سبحانه أن تكون خاتمته مشرفة له ولأهله ولوطنه الأم، فاستشهد باذلا نفسه في سبيل إنقاذ أرواح كانت مهددة بالغرق، فعندما كانت سيول جدة تحصد الأرواح وتنتهك الممتلكات كان واقفا أمامها يمد يده يمنة ويسرة لعلها تلتقط نفسا فينقذها من موت محقق، وهكذا أنهى حياته مقبلا غير مدبر باذلا غير قابض، لقد مات الشهيد غرقا بعد أن تمكن من إنقاذ حياة أربع عشرة نفسا، هذا هو الرجل الذي لن ننساه "فرمان علي خان" الباكستاني الجنسية والبائع في أحد أحياء مدينة جدة. هذه الحادثة قديمة نسبيا فهي ترجع إلى حج عام 1430 لكن القيادة الحكيمة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، أبت إلا أن تكرمه بعد استشهاده، فأصدر الملك أوامره الكريمة باستضافة أسرته المكونة من سبعة أفراد لأداء مناسك الحج هذا العام، والديه وإخوته وأخواته، وكان طبيعيا أن تكون زوجته وأم بناته الثلاث زبيدة ومديحة وجويري ضمنهم، وهكذا كانت أسرة الشهيد بيننا طوال موسم الحج لهذا العام.
لقد عوملت هذه الأسرة معاملة كبار الشخصيات فكان السفير السعودي في وداعهم في المطار الباكستاني، وفي مطار جدة كان الاستقبال يليق بشجاعة ونخوة الشهيد "فرمان علي خان" رحمه الله، هذا ما أشار إليه والد الشهيد فقد قال: (إنهم غادروا مطار إسلام أباد وفي وداعهم السفير السعودي وأثناء وصولهم كان هناك استقبال خاص لهم حتى إن جميع إجراءات خروجهم ودخولهم كانت تجرى وتسلم لهم أثناء جلوسهم عدا ما وجدوه من حفاوة وكرم ضيافة، أثناء وجودهم في المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج، وهذا يدل على وفاء وأصالة قيادة المملكة حكومة وشعباً)، وبعد أن تحقق المراد وأدوا مناسك الحج بحمد الله في يسر وسهولة، تقبل الله سبحانه منهم ومن الحجاج الكرام، وجهوا لإتمام البرنامج الخاص المعد لضيافتهم والذي شمل زيارة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ومصنع كسوة الكعبة المشرفة، ومعرض الحرمين، وزيارة سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وعدد من أئمة الحرمين الشريفين. إلا أن الأمر كان مبيتا لأكثر من ذلك ففي مشعر منى استقبلهم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظهما الله، وخلال الاستقبال تم تسليمهم حسب توجيهات المقام السامي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وجدير بالملاحظة هنا بيان أن الأوسمة السعودية تمنح للخاصة من (رؤساء الدول والشخصيات المدنية والعسكرية الأجنبية والوطنية، تكريما لهم أو تقديرا لما قاموا به من أعمال أو لتخليد وقائع هامة أو لتسجيل مناسبات ذات قيمة وطنية) وهذا المنح يدل وبوضوح على التقدير الخاص الذي تشعر به المملكة تجاه الشهيد وأسرته، فلقد كان منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تعبيرا صادقا عن عظيم امتناننا وتقديرنا له رحمه الله حكومة وشعبا، وهو دليل واضح على نية الحكومة السعودية رعاية أسرته ورعاية بناته.
وجدير بالإشارة هنا أن الموقف الشجاع من "فرمان علي خان" في سيول جدة، لم يكن فريدا من نوعه، فقد ذكر أخ له أنه ـ رحمه الله ـ كان معروفا منذ شبابه المبكر بإقدامه وبشجاعته وببذله لنفسه في سبيل إنقاذ الآخرين، فقد سبق له وهو ابن 16 عاما أن بادر برفقة والده لإنقاذ عائلة باكستانية من حريق شب في منزلهم، إذ اقتحم الحريق وسحب أسطوانة الغاز من المنزل، وفي هذه الحادثة أصيب ـ رحمه الله ـ بحروق عدة شفي منها بعد أعوام وبعد عدة عمليات جراحية أجريت له، كما عرف أثناء عمله في المملكة بكرم سجاياه وعلو همته وبهذا شهد جيرانه ومنهم إمام الحي الذي يعمل فيه، إذ ذكر الإمام محمد عابدين أن الشهيد عرف في الحي ومنذ سنوات بالشهامة والطيبة، هذه الخصال الخيرة تمثلت ذلك اليوم في عمل بطولي إذ بمجرد سماعه لصوت الغرقى مستغيثين أقحم نفسه في السيل محاولا إنقاذ أكبر عدد من الغرقى فأنقذ 14 منهم، ولعل الجهد الذي أصابه من جراء عمليات الإنقاذ التي نفذها كان السبب المباشر في فشله في إنقاذ المزيد من الغرقى وفي استشهاده، إذ ارتطمت قدمه بجسم صلب سقط بعدها وفارق الحياة غريقا رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وهنا يتوجب علي استحضار قول الله سبحانه وتعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، وقول رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، اللهم هب لنا وللمسلمين كافة حسن الخاتمة، واجعلنا ممن تكون خواتيم أعماله أفضلها وأكثر نفعا وقبولا عندك سبحانك، إنك سميع مجيب الدعوات.